هل يُعدّ الإنسان من الحيوانات؟ قراءة علمية ودينية وفلسفية
منذ فترة بدأ يدور في ذهني سؤال لطالما بدا بسيطًا، لكنه كلما فكّرت فيه ازداد اتساعًا وتشعّبًا: هل الإنسان يُعدّ من الحيوانات؟ هذا السؤال جرّني إلى قراءة علمية ودينية وفلسفية، وكلما تعمّقت وجدت أن الإجابة ليست كلمة تقال، بل هي فهم يتكوّن من زوايا متعددة قد تبدو متباعدة لكنها في النهاية تتكامل.
حين نظرت إلى الموضوع من زاوية العلم، وجدت أن الإنسان يُصنَّف في المنظومة البيولوجية ضمن مملكة الحيوانات، وبالتحديد ضمن الثدييات والرئيسيات. كان هذا التصنيف في البداية مستغربًا بالنسبة لي، لكن عندما قرأت عن الأساس العلمي الذي يقوم عليه، رأيت أنه يعتمد على خصائص تشريحية ووظيفية يشترك فيها الإنسان مع غيره من الكائنات، مثل امتلاك خلايا ذات نواة، والتنفس، والحركة الإرادية، وتكوين الجهاز العصبي والدورة الدموية والهيكل العظمي. كما أن الدراسات الجينية الحديثة تُبيّن تشابهًا كبيرًا بين الإنسان وبعض الكائنات الأخرى، وهذا كلّه جعلني أفهم أن وصف الإنسان بأنه “حيوان” في المجال العلمي لا يهدف إلى الانتقاص من قيمته، بل هو توصيف بيولوجي محض لا علاقة له بمكانة الإنسان أو دوره في الحياة.
لكن في اللحظة التي تحولت فيها إلى النصوص الدينية، وجدت أن الصورة ليست كما يختصرها العلم. فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾، وهذه الجملة وحدها كفيلة بأن تضع الإنسان في موضع مختلف تمامًا، موضع يتجاوز الجانب الجسدي إلى جوهره الحقيقي؛ العقل والروح والمسؤولية. وما جعلني أزداد يقينًا بهذا الاختلاف هو قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ… فَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ﴾، فالإنسان مكلّف بما لا تكلَّف به المخلوقات الأخرى، ومسؤول عن أفعاله، قادر على التمييز، وعلى اتخاذ القرار بناءً على وعي وإدراك. وهذا التكليف في نظري هو أحد أهم ما يفرق الإنسان عن غيره مهما تشابهت الأجساد.
أما عندما حاولت فهم المسألة من ناحية فلسفية، وجدت أن الإنسان يجمع بين جانبين متناقضين في الظاهر، متكاملين في الحقيقة. فهو جزء من الطبيعة، يخضع لسننها ويتأثر بقوانينها، لكنه في الوقت نفسه يمتلك عقلًا يجعله قادرًا على التفكير بما هو أعمق من حاجاته الجسدية. وقد فهمت لماذا سمّاه أرسطو “الحيوان الناطق”، فهذه العبارة تجمع بين الانتماء البيولوجي والتميّز العقلي في آن واحد. الإنسان يستطيع أن يبتكر لغة، ويتخيل ما لم يحدث بعد، ويقيّم أفعاله أخلاقيًا، ويرسم لنفسه صورة مستقبلية قد تتجاوز حياته كلها. وهذه القدرة الرفيعة على التفكير والتخطيط والإبداع لا تجعل الإنسان مجرد كائن حي آخر، بل تجعله متفرّدًا في مستوى لا تشاركه فيه أي مخلوقات أخرى.
وبعد كل ما قرأته وتأمّلت فيه، أصبحت أرى أن الجمع بين الرؤيتين ليس متناقضًا كما يبدو. فالعلم يتناول الإنسان من حيث تكوينه الجسدي، ولذلك يضعه ضمن مملكة الحيوانات. لكن الدين والنظر الفلسفي يتناولان الإنسان من حيث مكانته ووعيه وقدرته ومسؤوليته، ولذلك يرفعانه إلى مقام مختلف. وهكذا أصبحت أؤمن بأن الإنسان يجمع بين الأمرين؛ فهو فيزيائيًا جزء من عالم الحيوان، لكنه روحًا وعقلًا وقيمةً كائن مكرّم، متفرّد، لا يُشبه غيره
التعليقات
🔑 سجّل الدخول للتعليق أو الإعجاب.
لا توجد تعليقات بعد.